الجمعية المصرية
للبحوث الروحية والثقافية
المرحلة الثانية: الاتصال الروحي
بنفس روح الانفتاح عقلاً وقلباً يكتشف السيد رافع محمد رافع التناغم بين التصوف وبين والإرشاد القادم عبر الاتصال الروحي.
صوت قادم من عالم الروح
دُعي السيد رافع من جانب بعض أفراد جمعية السيد أحمد أبو الخير الروحية لحضور جلسة من جلسات الاتصال الروحي، والتي كان المرشد فيها هو السيد سلفربرش[١] الذي كان يتحدث من خلال الوسيط السيد محمد عيد غريب.
وجد السيد رافع أن هذا الإرشاد يتناغم مع روح وجوهر جميع الرسالات السماوية والفطرية في وقت كانت فيه تعاليم تلك الرسالات قد تحولت من جانب متابعيها إلى أفكار وممارسات وتقاليد جامدة تؤدي للتعصب والفرقة بين البشر، فلم يجد غضاضة في تقبل ما جاء من تعاليم وإرشاد عبر الاتصال الروحي باعتبارها تذكرة متجددة لبني البشر بنفس الرسالة التي حملتها الأديان جميعاً والتي تدعو فيها الإنسان إلى أن يدرك قيمة الإيمان بالغيب، والعمل الصالح الذي ينفع به أخوته في الإنسانية، ويقدم به لحياته الممتدة. ووجد السيد رافع في ذلك الإرشاد وسيلة متناغمة مع رسالة التصوف الذي يعمل على نفض الغبار عن الحقائق الأساسية التي تغيب عن الكثيرين حين يُختزل الدين إلى صور خالية من الروح. فعلى سبيل المثال يقول السيد سلفربرش:
"إننا نسعى إلى إيضاح الأسس الدينية الصحيحة التي يجب أن تقوم عليها الروابط، بين العبد وربه، وبين الأخ وأخيه في الإنسانية. إننا نعود بكم إلى الفطرة التي نبعت منها الأديان السماوية جميعاً، وانبعثت منها الحقائق الإلهية كلها."
"إننا سوف نضع أمامكم الأديان، والحقائق، مؤيدة بالبراهين المقنعة، حتى لا يزول سلطانها ثانية من بينكم، وحتى تبقى ناصعة قوية، لا تطمسها الخرافات، ولا يُطفئ نورها المغرضون." [٢]
"إننا في عالم الروح يملأ قلوبنا الحزن والأسى؛ بسبب أولئك الذين أمضوا حياتهم الأرضية دون أن يملئوا جعبتهم من الخير والعمل الصالح استعدادا لما سيلاقيهم في عالم الروح، حيث السعادة والراحة للمصلح المقدم للخير، والشقاء والألم للمفسد الغارق في الشر".
"إنكم تعيشون في الأرض سنين معدودة تنتقلون بعدها لعالم الروح، حيث تعيشون أجيالاً طويلة، وعندئذ فقط تدركون حق الإدراك، أن ما جمعتموه من علم ومعرفة بالحقائق الروحية له قيمة عظيمة لا حد لها."[٣]
تأسيس الجمعية الإسلامية الروحية
رحب الروح المرشد من جانبه بالسيد رافع وأرشد الحضور بأن يتخذوا منه رائداً لهم يلتفون حوله ويتلقون من علمه. وحين أخبر السيد رافع شيخه السيد محمد عبد الواحد بالإرشاد الذي جاء عبر الاتصال الروحي رفض الشيخ هذا الاتجاه، وانقسم الجمع ما بين مؤيد لاتجاه الشيخ وما بين مؤيد لوجهة نظر السيد رافع.
بعد اختيار الشيخ للقطيعة قام السيد رافع بالإعلان عن جمع جديد يحافظ على آداب وطقوس الطريقة الصوفية وينفتح أيضاً على الاتصال الروحي وإقامة جلسات التأمل.
وكانت تلك هي شخصية الجمعية الإسلامية الروحية التي أشهرت في بداية الخمسينيات من القرن العشرين. فقد قرأ السيد رافع معنى أن محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة مهداة، ورحمة للعالمين، بأنه معنى ينبع من أن رسالته صلى الله عليه وسلم جاءت لتحرر الإنسان من سجن التعصب للأسماء والصور، وتحرر البشرية من التفرق والتشرذم والعداء باسم الدين، فهي رسالة تذكر البشر جميعاً بأصلهم الواحد، وهدفهم الواحد، وبالقانون الكوني الواحد الذي هو فوق كل اسم أو شكل، وبالرسالة الواحدة التي جاءت منذ الأزل وإلى الأبد: رسالة الإسلام: التسليم لمعنى الحياة، وطلب الحياة والسعي إليها من خلال إقامة الوصلة مع مصدر النور والرحمة والمحبة في قلب الإنسان، وفي تجليه في رسل الله وكلماته.
أهداف المرحلة الثانية
كان الهدف الأساسي هو نشر الوعي بين الناس بأن الإرشاد القادم من الاتصال الروحي لم يأت بشيء جديد، وإنما هو يخدم أهداف جميع الرسالات بما فيها الإسلام:
-
فهو يذكر الإنسان بهدفه الأسمى من الحياة، فيقول السيد رافع:
" فالاتصال الروحي يا إخواني ما هو إلا عقيدة سليمة في الله تؤيدها جميع الأديان، ووسيلة تنقي جميع الأديان من الخبث ويظهر بها ما في الأديان من جوهر سليم، حبيب إلى النفس المؤمنة والعقل المعتقد. إنها طريق مستقيم، إنها تفك أسر الروح من سجن المادة لتنطلق في ملكوت الله العظيم اللامتناهي، إنها يد الله الممتدة لإطلاق هذه العقول وهذه النفوس وهذه الأرواح من سجون أشباحها، ولكشف الغطاء عنها لتدرك ما غمض من قضاياها في حاضرها ومستقبلها فتفتح لها بذلك أسباب السعادة وطريق كسبها"[٤] -
ويكشف للناس عن الأثر الذي تتركه أعمالهم في هذه الحياة على حياتهم المستقبلية في الحياة القادمة، فيوضح السيد رافع:
"إنهم (الأرواح المرشدة) لا يريدون أن تتساقط ثمرات هذه الشجرة البشرية فجة غير ناضجة، ويريدون أن تعيش هذه البشرية في وئام وفي سلام، وألا تتعجل حياة مفرداتها الروحية على أساس من الحروب وأساس من الخصام حتى لا يذهب الناس إلى حياتهم الروحية وهم لم ينضجوا بعد كالثمرة التي تسقط من شجرتها قبل أوانها"[٥]. -
ويكشف أن الالتزام الديني الخالي من الروح لا يؤدي إلى أي تأثير إيجابي على النفس الإنسانية.
-
وهو يحرر الإنسان من التعصب والصراع باسم الدين:
"(إن الروحية) لا تأتي إلينا ببلاغ جديد، ولا بمناسك جديدة، ولا بنظام للمعلومات جديد، ولكنها تأتي إلينا بما غفلنا عنه من الحق الصراح، الحق الخالص الذي جاء به سائر الأنبياء، والذي يتلاقى عليه ويتلاقى فيه النبيون جميعاً وهو التعريف عن الله وعن الفهم فيه والفهم عنه والفهم به والفهم منه. وهذا أمر جوهري، وأمر واسع عريض قام وراء جميع الرسالات الدينية في الشرق الأوسط وفي حكمة الشرق والغرب."[٦]
ثمار المرحلة الثانية
-
على مدى نحو عشرين عاماً قدمت خدمة العلاج الروحي دون أجر مادي من خلال الروح المعالج ”هوايت إيجل“.
-
ضمن السيد رافع تأملاته مع إرشاد السيد سلفربرش في كتاب“ التوحيد والتعديد“.
-
جمعت أحاديث السيد رافع في مجلدات تحت اسم ”ألواح ما بين قبر ومنبر“.
-
نشر للسيد رافع مؤلفان أدبيان هما: ”من وحي يثرب“.. و“من مذكرات خبريدس“.
-
جُمِعَتْ باقاتان من الحكم والتأملات للسيد رافع في مجلدين: ”خطرات ونظرات“ و ”ومضات ونظرات“.
-
وهي جميعاً أعمال تضم رؤية السيد رافع عن الإسلام كرسالة تضم كل كلمة قديمة أو محدثة، وتحتضن جميع البشر دون تفرقة تقوم على المسميات.
[١] السيد سلفربرش هو الاسم الذي أُطلق على الروح المرشد لجمعية هانين سوافر Hannen Swaffer Home Circle في لندن أثناء العقود الأولى من القرن العشرين. وهو روح مرشد معروف في جميع الأوساط المهتمة بالاتصال الروحي في العالم ويلقى الكثير من الاحترام والتبجيل بينها نظرا للعمق والبساطة والجمال الذي يصبغ كل ما يقدمه من حكمة. ولقد تم طباعة ما قدمه من إرشاد في عدد من الكتب التي يعاد طباعتها حتى الآن.
[٢] من كتاب "رسالة التوحيد والتعديد عن الإطلاق والتقييد" للسيد رافع ص ٥٨
[٣] من كتاب "رسالة التوحيد والتعديد عن الإطلاق والتقييد" للسيد رافع ص ٥٩
[٤] الجزء الأول من ألواح بين قبر ومنبر ص ١٢
[٥] الجزء الأول من ألواح ص ١١
[٦] الجزء الأول من ألواح ص ١٠