الجمعية المصرية
للبحوث الروحية والثقافية
السيد رافع محمد رافع
(١٣ مايو ١٩٠٣- ٢٤ يوليو ١٩٧٠م)
(الموافق ١٥ صفر ١٣٢١- ٢٠ جماد أول ١٣٩٠ هـ مصر)
السيد رافع محمد رافع واحد من المعلمين الروحيين للبشرية، وعبد من عباد الله الصالحين في القرن العشرين. كان لديه بطبيعته إحساس بالمحبة والشوق للخدمة، على مدى حياته كلها، تجلى في صور متعددة.
سيرة ذاتية مختصرة
ولد السيد رافع لعائلة ميسورة في صعيد مصر لأبوين يرجع نسبهما للرسول محمد صلى الله عليه وسلم. وكان ترتيبه الأول بين أربعة أبناء، بنتا وثلاثة أولاد. وفي طفولته المبكرة تعرض والده السيد محمد رافع التاجر المرموق للإفلاس، ولم يعد قادرا على الإنفاق على أسرته. أرادت والدة السيد رافع السيدة عائشة الشريف أن تتسلم ميراثها من أمها السيدة زنوبة بدوي رفاعة، لكن ذلك لم يكن ممكنا، تبعا لقانون الأوقاف في ذلك الحين، والذي كان لا يسمح للأنثى باستلام ميراثها طالما هي في عصمة زوج. لذلك اضطر والد السيد رافع، مرغما وحزينا، أن يطلق زوجته ليُسمح لها قانونا بالحصول على ميراثها ليكون مصدر دخل لتربية أبنائها.
في فترة شباب السيد رافع المبكرة، مرض أخوه الأصغر مرضا عضالا ثم توفي، مما أصابه بالحزن الشديد لوفاة أخيه من جانب، ولحزنه من أجل ما أصاب والدته من أسى وجزع من جانب آخر. ومن قتها اعتبر نفسه مسؤولا عن رعاية والدته وأخيه وأخته الأصغر.
منذ طفولته المبكرة كان رافع الصغير يتمتع باستقلالية الشخصية واحترام العقل والتأمل فيما يحدث حوله. وكانت الصلاة بالنسبة إليه أمرا .خاصا بينه وبين ربه، يقيمها حينما يشاء في سرية تامة، ولا يطلع عليه أي أحد حتى أمه الحبيبة. [١]
شاب يؤيد العدل والحرية واحترام الحقوق
بحبه الفطري للعطاء، تفانى السيد رافع منذ بداية العشرينات من القرن العشرين، في خدمة الحركة القومية في مصر للتحرر من الاستعمار البريطاني، واستمر في دعمها بعد أن تخرج من كلية الحقوق، وصار محاميا مستقلا، فقد اعتبر أن الحرية قيمة عليا لتحقيق كرامة الإنسان. حول هذه الفترة من حياته يقول في سيرته الذاتية:
"فكان لنا دورٌ في النشاط السياسي، وأقول السياسي، ولم أعرف يومًا للسياسة طعمًا، فإن عبَّرتُ تعبيرًا أسلم، فقد كان إلقاءً بدلوي في الدلاء بين المجاهدين في الحركة القومية، التي قامت في مصر سنة 1919 وعاصرتُها وليدًا، في مولدها، وما كانت في ذاتها إلا مواصلةً لمحاولات سابقة من نوعها، قامت من قبلها، ولكني وقد ألقيتُ هذا الدلو بين الدلاء، إذا نظرت إلى إدراكي للأمر، ما كنت قوميًّا يومًا من الأيام أيضًا، ولكني كنت أرى في تحقيق القومية لهذا الوطن ما وجدتُ فيه عدلًا يجب أن يقام، وحريةً يجب أن تنال، واحترام الناس بعضهم لبعض أمرًا يجب أن يقوم."[٢]
ويستطرد السيد رافع في شرح موقفه من الانخراط في الحركة الوطنية قائلا:
"كنت أرى في تحقيق القومية لهذا الوطن ما وجدت فيه عدلا يجب أن يُقام، وحرية يجب أن تُنال، واحترام الناس بعضهم لبعض أمرا يجب أن يقوم، فقد كانت هذه نزعتي في حقيقة الأمر..... بهذه الروح وبهذه النزعة عشت في مجال السياسة أو البشرية، أو الحياة الزمنية..... فيمكنني أن أقول، إني عملت في هذا الحقل 20 عامة بهمة وإخلاص، كنت فيه الباذل فقط ولم أجن فيها أي جزاء مادي. وبعد هذه العشرين عاما، عزفت عن هذا الميدان للنشاط الزمني والقيام الظاهري، بالروح نفسها وللأسباب نفسها التي كنت أتنقل بها في مجال القومية أو السياسة من العمل مع زعيم أو آخر في بيئة النضال القومي."[٣]
وقد كان السيد رافع يعبر، طوال حياته، عن تقديره لقيمة "الحرية" على أكثر من مستوى:
"إن المجتمع الذي يُحرم من حرية الكفر، يحرم من قيام الإيمان. إن الإيمان عند الفرد، وعند الجمع، لا يقوم ولا يوجد، إلا في بيئة حرة، وفي جو من الحرية الكاملة، لفرده وجمعه."[٤]
بالإضافة للمشاركة في حركة النضال للتحرر من الاستعمار البريطاني، كان السيد رافع باعتباره محاميا معروفا، يدافع عن حقوق القوى العاملة، أي حقوق العمال الذين لم يكونوا يتمتعون بأي تأمينات اجتماعية في ذلك الوقت. فقد بذل مع لفيف من المحامين جهودا بالغة لحث الحكومة على منح العمال معاشات، وتأمين صحي، وحقوق أخرى:
"كان أيضا من فطرتي في هذا الإتجاه الخاص الرغبة الكامنة في مشاركة الناس فيما أنا فيه مما ارتضيته أو فيما أصل إليه، فكانت طبيعة المربي أو ما تسمونه الرائد عندي قائمة بالغريزة، ولكني ما كنت أراها، إنها معنى الشيخ أو المربي أو الرائد، كنت أراها واجب الإنسان للإنسان، في طبيعة قائم الناس، وأنهم يجب أن يتعاطفوا فيما بينهم، ويتواصوا بالحق، على ما عرفتهم الرسالة، ويتواصوا بالصبر على ما هُدوا بها، وإن هذا ما كان يجب أن يكون عليه الخلق العام، وإن الخلق العام هو ما يجب أن يكون عليه الدين، وقيام هذا بالغريزة فيَّ كان السبب الأصيل لإنتاج وإثمار ما كنت أبذل في حقل الحياة الزمنية من جهد." [٥]
وكان مما أصاب السيد رافع بالمفاجأة وخيبة الأمل أنه أدرك في ذلك الحين أن القادة السياسيين لحركة التحرير، كانوا يضعون مكاسبهم الشخصية فوق مصلحة البلاد، مما جعله يتخلى عن هذا الأسلوب من حياته التي كان يعمل فيها محاميا حرا لتكون له الحرية الكافية لممارسة نشاطه السياسي. في هذه الفترة وقد كان قد بلغ نحو الخامسة والثلاثين من العمر، كان يفكر في الزواج وتكوين أسرة؛ وكانت مسؤولية لا يتيح له أسلوب حياته الحر أن يتحملها، مما جعله يقبل التعيين محاميا بالحكومة كوسيلة لكسب رزقه. وكانت هذه لحظات مؤلمة في حياة السيد رافع، استسلم فيها لما فرضته الظروف، وفتح نفسه لما يمكن أن تلقي به الأقدار في طريقه. وتوضح كلمات وتعاليم السيد رافع في جميع مراحل عمره أن عزوفه عن النشاط السياسي في ذلك الوقت وللأبد، لم يكن تخليا عن دافعه العميق لخدمة إخوانه في البشرية، ولم يكون فتورا في روحه الوثابة لدعم المباديء الإنسانية، وإنما كان هذا التباعد إنما تعميقا ودعما لتلك الروح، روح الخدمة.
حدث يؤدي لتحول كبير
عام ١٩٣٨ تم زفاف السيد رافع على السيدة [٦] حزام رفاعة، وهي تمت له بصلة قرابة من ناحية والدته، كما أنها حفيدة الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي رائد التنوير الحديث في مصر (١٨٠٥-١٨٧٣). لقد كان اليوم الأول لزواجه بمثابة مرحلة جديدة في رحلة الحياة الروحية للسيد رافع، فقد فوجيء بنفسه يميل للعزلة ويعزف عن حب الاختلاط في الحياة العامة كما اعتاد من قبل. لقد كان ما حدث يوم زفافه، دون أدنى توقع، بمثابة مقدمة لمرحلة جديدة يقوم فيه بالتعبير عن حسه الإنساني الكبير الذي قد خُلق له بطريقة مختلفة عن ذي قبل. وهكذا يعبر السيد رافع عن التحول الكبير الذي مر به:
"عقب الزواج عزفت فعلياً عن النشاط الاجتماعي والسياسي. وهنا بدأت تتغير أحوالي الداخلية والنفسية والعقلية من داخلي أنا، ولم تمض أشهر قليلة، وكنا في ذاك الوقت نقيم أنا وزوجتي مع أهلها في منزلهم، لأننا لم نكن قد هيئنا لنا مكاناً خاصاً بعد. وبعد بضعة أشهر هيأنا لنا المكان الخاص، في شارع إلهامي بالحلمية الجديدة رقم ٨ وانتقلنا إليه. وكان أول ما فاجأني وهي حامل بابنتنا الكبرى هناء، رأيت في منامي، أن نوراً ينزل من السماء، يأخذ صورة برش من الماس، لعله أقرب ما يكون الى المألوف للفظ البسملة، الذي يُرسم في اللوحات، ولكن لم يكن واضحاً لي وقتئذ، ولكني شعرت بأنه هو ذلك فيما بعد، وأن هذا النور ينزل من السماء في اتجاه صدري، وإنه وصل فعلاً إلى صدري، ودخل فيه أو حل به في الرؤيا، فإذا بي، أنتفض نفضةً قوية شديدة، وأنا أنطق باسم الجلالة، اللفظ المفرد (الله.. الله.. الله) بصوتٍ مسموع."[٧]
لقد كان ما يرويه السيد رافع عما حدث يوم زفافه إنما بداية لسلسلة من التجارب الروحية، حلّقت فيها روحه في مجالات عليا، يتعلم فيها مباشرة عن الكون الكبير والكون الصغير.
البحث عن مجال جديد للخدمة
لقد صار واضحا للسيد رافع خلال رحلته الروحية أن كل مظاهر الظلم السياسي والاجتماعي إنما ترجع جذورها لظلم البشر لأنفسهم ظلما فادحا بغفلتهم عن احتياجهم لتغذية طبيعتهم الأصلية، التي تؤدي للكشف عن الومضة المقدسة في أرواحهم. لقد كان يذكر كثيرا أننا حين تستيقظ فينا الإمكانات الكامنة التي منحنا الله إياها، فسوف نقوم بشكل تلقائي بالتعبير عنها في سلوك وقيم أخلاقية. ويؤكد السيد رافع أن فقدان الوعي الروحي هو الجذر الذي تنبت منه نوازع الأنانية والطمع والاستبداد، والتي تؤدي بطبيعة الحال إلى مستويات متعددة من الظلم على المستوى الفردي والمجتمعي. لذلك فالإصلاح المجتمعي، وفقا لعقيدة السيد رافع، لا يمكن تحقيقه إلا حين يتمتع الأفراد بالوعي بمعنى الحياة التي هي أعمق وأعلى من حدود ذواتهم البشرية. ولقد وهب السيد رافع نفسه للعمل على إيقاظ هذا الوعي طوال حياته، فكل تجربة مر بها في حياته جعلته أكثر إدراكا بأن الحياة الخارجية لأي شخص، ما هي إلا تعبير عما يكمن داخله، فيقول:
"إن الذي يجري بداخل الإنسان ليس أثرا لما يجري حوله ولكن الذي يجري حول الإنسان قد يكون أثرا لما يجري داخله"[٨]
من هذا المنطلق، فقد كانت رحلة حياة السيد رافع كلها إنما هي رحلة للتعلّم كيف يمكن أن نجعل "داخلنا" أكثر وعيا، ونقاء، وإخلاصا لهدف أعلى. لم يكن السيد رافع ليتغافل عن أن مشاكل العمل السياسي، هي مشاكل ترجع لنوعية البشر الذين لا يمكنهم أن يخبروا معنى إنكار الذات. كان مؤمنا بأن المجتمع الصالح هو ذلك الذي يعكس في أفراده القيم العليا النابعة من الوعي بأبعاد "الحياة الداخلية". لذلك فقد كان تحوله من مجال النشاط السياسي إلى الروحية، لا يُعدّ تحولا في جوهر أو روح ما كان يقوم به في أي وقت من حياته، إنما كان تحولا في الأدوات والمجالات التي يعبر بها عن نفس الروح والجوهر. وهذا ما يعبر به عن التحول الذي مر به:
" فبدأت أتجه اتجاها دينيا، وأقول بدأت أن أتجه اتجاها دينيا، بلغة ما هو ظاهر، أما إذا أحكمت القول، فيحسن أن أقول، بدأت أحثُّ الخطو فيما أنا فيه وهو ما كان في طبيعتي، مما كنت أسميه بما أسميه، وطنية أو سياسة أو قومية، أو عملا في المجال العام، سمه ما شئت، فما كان في حقيقة الأمر إلا فطرة الدين، وصبغة الحقيقة."[٩]
ماذا تعني له كلمة "الدين"؟
إن تداعيات كلمة "الدين" بالنسبة للسيد رافع، واستعماله لها، تختلف عن ما ترتبط به في الأذهان بشأن هذه الكلمة، ومعانيها الشائعة. فـ"الدين" بالنسبة له يرتبط بقوة بدرجة وجود أو غياب وعي البشر عن من هم بحق، وأي هدف يعيشون من أجله، على المستوى الفردي والجمعي:
"الفـرد هـو عـين الجمـع في الحقيقـة والواقـع؛ بمعنـي أنـه إذا أدركنـا مـا يصـدر عـن الفـرد وإليـه أمكننـا أن نـدرك بالقيـاس مـا يصـدر عـن الجماعـة البشــرية وإليهـا في وحدتهـا. إذا تجمـع الأ فـراد عــى المحبــة والتفــاني في معنويــات الحيــاة ، فــإن هــذا التجمــع والتفــاني مــن مفــردات الجنــس عـلـى معنويــات الحيــاة و شرف الجنـس، هـو مـا نسـميه الديـن، والاسـتقامة عليـه، والسـلوك فيـه."[١٠]
فالدين بمعناه العيش بالهام من القيم العليا المطبوعة في قلوب البشر، على المستوى الفردي والجمعي، يؤدي إلى نمو قيمة الإيثار في الفرد، واحترام العدل كقيمة أساسية على مستوى المجتمع. ويوضح السيد رافع ذلك المعنى في رسالة الإسلام قائلا:
"هذا الأمر على ما جاء في الإسلام ينتج أو ينتهي إلى شأنين أساسين الأول مدرسة والثاني مملكة. أما المدرسة فهي المعرفة وإنتشارها ، وأما المملكة فهي العدالة وقيامها ، والنتيجة الطبيعية للمعرفة والعدالة هي قيام جمع صالح أو أمة صالحة لها ملك صالح أو نظام صالح قدوة لجماعات البشرية تصلح لأن تكون عنوانا صالحا يحتذي لممالك الجنس وبذلك تنتقل الرسالة والدعوة من الفرد للجماعة."[١١]
الانضمام للطريق الصوفي
وسط فيض من التجارب الروحية التي كان السيد رافع يمر بها عقب زواجه، بدأ في رحلة لاكتشاف التراث الإنساني في المجال الروحي، بما فيه الإسلام والديانات السماوية الأخرى، وكذلك الحكمة القديمة في الشرق الأقصى، وكذلك الحركة الروحية الحديثة. وبعد قراءات كثيرة وجد السيد رافع مأواه في التصوف الإسلامي، حيث شعر بتناغم المتصوفة الذين خبروا قلوبهم بيوتا لربهم. عن معنى القلب كبيت للرب يكتب السيد رافع:
"إن في الإنسـان كعبة أو هيكل أو مدينة مقدسـة لا يفقدها ولا يوجدها ولكن يكشـفها ويتواجدها. هي القلب. إنه نقطة دائرته من ذاته ومن معناه بهذه الذات. إليه يتجه بكله، ومنه يسـتقبل من الإحـاطة به فيضه على كله. إنه السـراج في مشـكاة صدره، منه زيته بعمله، وإليه نوره بكسـبه."[١٢]
العبودية لله والمحبة
لقد وجد السيد رافع دوما انسجاما بين ما يستشعره بقلبه، وعقله، وما يتلمسه في قراءته للمصادر المقدسة في الإسلام، وكذلك في الأدب الصوفي. لقد وجد فيهم معنى الحياة الذي كان ينشده دوما من داخله؛ معنى أن يكون عبدا لله في كل نَفَس من أنفاسه:
"إن العبودية للـه هي الصراط المسـتقيم بين الوجود والعدم، بين البيوت والدِمَن. اطلبوا اللـه لتجدوه في أنفسـكم، واطلبوا اللـه تُشـاد من قلوبكم بين جوانحكم بيوته، وترفع للحق بكم في الناس شـواهده وأعلامه وبنوده."[١٣]
أن يكون الإنسان عبدا لله بالنسبة للسيد رافع، وأن يكون بمثابة قناة يصل من خلالها حب الله للبشر، إنما هو نفس الشيء:
" إذا قامت معاني العبودية في كائن من الناس، واتجه لمحبة الواحد الأحد، ..... غمر الناس بحبه، أحبهم وأحبهم حتى لم يرهم إلا نفسه ولم ير في وجوههم إلا مرآة لربه."[١٤]
لقد أخذ معنى الحب، ومعنى الحياة في أدب السيد رافع، معان روحية وصوفية كثيرة، خلاصتها أن نوعية الحب الصادق والأصيل الذي يقوم بين شخصين أو مجموعة من الناس، ما هو إلا ومضة من الحب القادم من الله، والذي ينهمر عليهم جميعا، لأن الله هو مصدر كل حب. وفي سياق هذا المعنى يكتب:
"إنني أشعر مع إخواني في ودهم أو تواضعهم أو ألفتهم أو عقيدتهم.. أشعر في هذا معاني الحب من الله، ولا أشعر فيه معاني الحب عندي إلى الله موجها ًإلى الله، إنني لا أستطيع أن أتجه إلى الله بوصف المحِّب ..... أنا لا أرى أن لي وجوداً مع وجوده، وأرى أن الحب له شرك به، فكيف أعرف الحب؟"[١٥]
البحث عن رفيق في الطريق
معنى "الصحبة" في الطريق الروحي بالنسبة للسيد رافع، كان يحظى باهتمام كبير من جانبه، وأخذ أبعادا وصورا كثيرة، فمنذ الصغر وهو يشعر برباط روحي بينه وبين النور النبوي، أو نور جده سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وهنا تجدر الإشارة إلى أن تلك العلاقة—وكما يشير إليها معظم المتصوفة المسلمين—لا تشير إلى الرسول كشخصية تاريخية فحسب، وإنما ما يطلقون عليه "الحقيقة المحمدية". فالرسول بالنسبة لهم، كما للسيد رافع، هو تجلي لنور الله ورحمته، التي تواجدت منذ الأزل وإلى الأبد؛ وهذا النور هو الذي يرشد الباحثين عن الحقيقة في طريقهم الروحي. وقد خبر السيد رافع في قلبه دوما رعاية الرسول له، وحبه وإرشاده. وعن هذه الصحبة التي لم تفارقه طوال حياته يقول:
"...لم أرني أسير منفرداً، وأنا الذي أرى في نفسي، أني ضمن من يعنيهم رسول الله بأنا وليهم، فما كنت منفرداً ورسول الله وليي، وهو بتوليه لي، أرى الله متوليني ووليي، فما كنت منفرداً قط."[١٦]
لقد كان من عادة السيد رافع أن يستمع لصوت معلمه الداخلي، في كل القرارات المهمة في حياته؛ أي أنه عبّر عن علاقته بربه في قلبه، وعن إرشاد الرسول له من داخله، بشأن ما كان يقوم به من التفاني وإنكار الذات في خدمة المبادئ العليا في الحياة. وإلى جانب ذلك فقد كان الإرشاد الروحي يأتي له أيضا من خلال رؤى حدسية غير متوقعة، في حالة اليقظة، ينهمر عليه خلالها فيض من العلم اللدني عن الحياة الروحية، والإنسانية، والكون، فضلا عن رؤى أثناء النوم يتلقى فيها أيضا معرفة روحية. خلال ذلك كان السيد رافع يكد في قراءة الكثير من التراث الديني والروحي، رغبة في معرفة ما إذا كان هناك من البشر من مروا بمثل تجاربه الروحية.[17] وقد وجد تجارب مماثلة في الأدب الصوفي.
في هذه المرحلة، وبرغم من إحساس السيد رافع الدائم بالارتباط بهدي الرسول داخله، وبالتعلم من خلال الحدس، ومن خلال الرؤى الصادقة، إلا أنه لم يجد ذلك متعارضا أبدا في أن يتبع النهج الصوفي الذي يدعو إلى ضرورة أن يصحب السالك في الطريق معلما أو شيخا، وألا يسير في الطريق الصوفي منفردا. عن دافعه للبحث عن شيخ يقول:
"ولكني أردت أن أحترم آداب القوم وهديهم، على ظاهر الهدي وأدبه، فأنا لا أرفض أن يكون لي مؤاخ من البشرية، أرى فيه أخاً لي، يعينني ويأخذ بيدي، بل أطلب ذلك وأنشده، وسألت الله دائما أن يوفقني الى هذا الأخ."[١٨]
لقد كانت رحلة السيد رافع في البحث عن شيخ أو معلم رحلة طويلة، يمكن الرجوع لتفاصيلها في سيرته الذاتية المشار إليها في هذا السرد، وإلى أن وصل بعد هذه الرحلة إلى اللقاء بالشيخ محمد عبد الواحد الذي، والذي كان يتبع الطريقة الشاذلية، أي السلسلة التي تعود للسيد أبي الحسن الشاذلي (٥٩٣هـ الموافق ١١٩٦م إلى ٦٥٦هـ الموافق ١٢٥٨م). حين انضم السيد رافع للطريق متخذا من الشيخ محمد عبد الواحد معلما، أو رفيقا في الطريق، لم يغب عن الشيخ نفسه وباقي المريدين، الحضور الوضاء والرقي الروحي له، والذي كان يجذب إليه كثيرا من الناس الذين يرتادون الطريق. وقد صرح الشيخ محمد عبد الواحد للسيد رافع منذ اللحظات الأولى للقائهم، بأنه يعتبره صاحبا أو رفيقا في الطريق وليس مريدا. وكانت هذه الكلمات تزيد من احترام وتقدير السيد رافع للشيخ، ويعتبرها علامة على شدة نبله وتواضعه، مما يجعله يتمسك به كشيخ ومعلم لسنوات عديدة. وبالرغم من ذلك فيبدو أن الأقدار كانت تخطط لشيء آخر. فقد كان انضمام السيد رافع للحركة الروحية الحديث—وكما سيأتي ذكره لاحقا—مدعاة لثورة كبير من الشيخ محمد عبد الواحد، والذي كان يؤمن بأن الطريق الروحي يجب أن يكون مقتصرا على رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، في صورتها ونصوصها المحددة. ومن هنا حدثت الفرقة بين السيد رافع والشيخ بمبادرة من الشيخ محمد عبد الواحد، والتي تسببت في حدوث ألم شديد وجرح غائر للسيد رافع والذي لم يريد أبدا الافتراق عن الشيخ، حتى لو تباينت آراؤهم، طالما أن بينهما رباط وثيق من المحبة والاحترام.
رفض السيد رافع لما رآه تشويها للدين
لم يكن السيد رافع مستريحا لما يراه من مظاهر التدين الغالبة على معظم المسلمين حوله، والتي يرى فيها تلك العلاقة الجليلة بين الإنسان وربه، تختزل في صورة التزام شكلي وصوري بالطقوس الدينية، وكذلك الممارسة السطحية لتعاليم الدين، دون تعمق لمعناها ومغزاها.
لقد لاحظ السيد رافع مبكرا أن الطريقة التي يتم بها فهم تعاليم الإسلام وممارستها بين غالبية المسلمين، قد أدت إلى نوع من الازدواجية أو انفصام الشخصية، حيث أن التزامهم الخارجي بالتعاليم لا يؤدي بالضرورة لأن يرتقوا إلى حال أفضل من الإنسانية. وكان السيد رافع يؤكد في تعاليمه على أنه إذا ما عاش الناس دينهم كتجربة داخلية، بدلا من أن تكون مجرد التزام خارجي، للاحظوا الأثر الذي يجلبه ذلك على أرواحهم في واقع حياتهم في اللحظة. ويوضح السيد رافع رؤيته قائلا بأنه إذا ما انتبهنا إلى وحدتنا الإنسانية أو خبرتنا كجنس بشري واحد، فيمكننا أن نرى الزلات التي وقع فيها أسلافنا على أنها زلاتنا نحن، فنتعلم منها. كما يستزيد السيد رافع شارحا معنى "وحدة الحقيقة" قائلا إننا يمكننا أن نرى أنفسنا جزءا من المعلمين الروحيين، ونحس بهم على أنهم مستقبلنا الروحي.
على مستوى آخر لم يتفق السيد رافع مع بعض علماء الدين الذين يقولون في وعظهم للناس، بأنهم لا يمكن أن يعلموا شيئا عن ثمار عملهم أثناء رحلتهم على الأرض إلا في الحياة الآخرة. فمثل هؤلاء الفقهاء—بحسب تعبيره—يتجاهلون قدرات الناس الوفيرة على مراقبة ذواتهم، وعلى التمييز السريع لأثر أفكارهم ومشاعرهم وسلوكهم على أرواحهم. في هذا السياق يكتب السيد رافع:
"فما هذا الدين الذي يُبني كله على التسويف ولا واقع له في أي ناحية من نواحيه أو زاوية من زواياه. الساعة سوف تأتي، الجنة سوف تذهب إليها، والنار سوف تدخلها، والحساب سوف يقوم في يوم للحساب، والله سوف تلقاه في يوم القيامة، ورسول الرحمة سوف يشفع لك في يوم الشفاعة. واليوم يكفي الناس أن يسمعوا لهذا الضلال فتموت قلوبهم وتتعطل عقولهم وتظل في سجونها من وعيها نفوسهم. الدين في صورته الحقيقية لا يعرف معنى التسويف إطلاقا. وما جـاء بشيء ذكره إلا كان واقعيا وليس به أي تسويف. إنه يصـف الحياة على ما هي بشقيها من الذات والروح".[١٩]
إن البشر، من منظور السيد رافع، يمكنهم أن يذوقوا بعضا من معنى الجنة، ومن معنى النار، في التو واللحظة، ذلك لأن الروح يمكنها أن ترتبط بالحقيقة، التي هي فوق الزمان والمكان، وتدرك جزئيا إلى أي حد هي في حال من الحرية الروحية، أو أسيرة في حدود وقيود المادة:
"الجنة في وصفك وقرين وجـودك ما طلبت التحرر من سجن المادة لجسدك. والنار ما تقيدت نفسك في سجنها بغرائزك. والله هو معك، أقرب إليك من حبل الوريد عقلا وحسـا. والذي يريد ذلك فهذا أمر لا جدل فيه ولا نصيب للمجادل منه. فليدخل مدرسة الروح ليرى ذلك."[٢٠]
فالعلاقة بين الإنسان وربه، عند السيد رافع، علاقة قلبية حميمة، لدرجة أن العابد، بمراقبته لنفسه، يمكنه اكتشاف الأشراك التي يقع فيها، وأيضا الكسب الذي يحرزه. إن أرواح الناسكين بالنسبة للسيد رافع، يمكنها أن تكون كتبا تسجل رحلاتهم بأكملها، ويمكنهم من يتعلموا منها في كل وقت وحين:
"إن الله سريع الحساب، يحاسبك مع أنفاسك. ولكن كشف هذا الحساب لك في يدك أنت إذا حاسبت نفسك بنفسك. وإذا أحببت أن تعرف ذلك فهذا جزاؤك وعذابك، وإن كُشفت لك نعمته فهذا عطاؤك. الخير في نفسك والشر في نفسك، إنها كتابك دائما. إنها دنياك دائما. إنها مطيتك دائما."[21]
من البصائر أو الحكمة الأساسية في تعاليم السيد رافع هو أن "الله" أو "الإله"، أيا ما كان مسماه، ليس ذاتا سلطوية كما يعتبره معظم البشر، كما أن سيدنا محمد رسول الله ليس مجرد "شخص". إن الله ورسوله بالنسبة له، حضور أو وجود فوق ووراء أي شكل؛ حضور يحتضن ويحتوي كل الخلق والموجودات كبعض منه. وفي هذا المعنى يقول:
"إن الله ورسـوله وجود وحقيقة، محلها المؤمن والكافر والعاصي والطائع. إن الله ورسـوله سـر الحياة وشرفها، وظاهر الإنسـان وحقيقتـه. إن الله ورسـوله في كل ديـن وفي كل عقيـدة وفي كل علـم، وعند كل أمة، وفي كل زمان، وفي كل مكان. لا يسـتقل الإنسـان بوجوده عن وجودهما. ولا يسـتقيم له أمر بعيدا عن أمرهما، عَلِـم أو لم يعلـم، اسـتقام بأمره لأمرهما أم لـم يسـتقم. إنه منهما وإليهما ولهما. فإن أدرك ذلك فجنته، وإن جهله فمحنته، وإن قاومه فهلكته، وإن صالحه فعزته، وإن أحبه فحقيقته وإن وحده فكلمته."[٢٢]
لقد تذوق السيد رافع الدين، وقدّمه، كعلاقة طبيعية فطرية، بين الإنسان وربه؛ علاقة تحتوي حياتهم ككل، وتتجلى للبشر في تجارب وخبرات لا تُعدّ ولا تُحصى:
"الدين ليس حديثا يُتناقل أو ألفاظا تُردد، ولكنه قيام يُدرك وأطوار تُنشد وتُقصد." [٢٣]
الإسلام دين الفطرة
يؤمن السيد رافع بأن كل ما يجري في الكون، وما يحدث على الأرض، إنما هو جزء من قانون مقدس شامل، يتجلى في خلقة الطبيعة؛ في البشر وفي كل الموجودات. ومن بين مستويات متعددة لكلمة "الفطرة" كما يستعملها السيد رافع، فهو يشير بها إلى جميع القوانين الكونية التي خلقها الله في خلقته للكون. والفطرة بمعنى أنها تشير إلى القانون الكوني المقدس، هي متعالية عن إحاطة البشر وقدرتهم على الفهم أو الاستيعاب، وفي نفس الوقت فهي تتجلى في كل جوانب الحياة. بمعنى آخر، الفطرة بوصفها القانون الشامل المقدس، تتجاوز وتعلو عن الزمان، والمكان والشكل والاسم، والخلق بكل تنوعاته. وفي نفس الوقت فالفطرة كامنة ومتأصلة في صفات البشر الداخلية، حيث يبحثون بغريزتهم عن خالقهم، وعن معنى لحياتهم.
الإشارة إلى الفطرة بذلك وكما يتأملها السيد رافع موجودة في قلب جميع الكتب المقدسة في كل زمان ومكان. بمعنى أن كل التعاليم الروحية تكشف للبشر عن قوانين الخلق الطبيعية التي تحكم أجسادهم، وأرواحهم أيضا. ويتأمل السيد رافع قائلا إن المعرفة الناتجة عن كشف بعض من قوانين الخلق، تزداد يوما بعد يوم منذ خلق الإنسان على الأرض، ومن خلال مجيء الرسل والأنبياء عبر التاريخ، وكذلك المعلمين الروحيين في أماكن وأزمنة مختلفة. ففي إشارة تعاليمهم جميعا للفطرة باعتبارها قوانين الحياة الكونية، أشاروا إلى أنه من ضمن هذه القوانين، خُلق الإنسان بقدرات طبيعية للبحث عن أسرار الطبيعة. فالعلماء في كل المجالات، وفقا لرؤية السيد رافع، هم بمثابة "رسل" بعثهم الله ويبعثهم باستمرار ليكشفوا للإنسانية معرفة عم قوانين الحياة الطبيعية. في هذا المجال يقول السيد رافع:
"الكشف عن قوانين الطبيعة تبليغ جديد ممن هو وراء الطبيعة بحكمته وقدرته."[٢٤]
من هذا المنطلق في تأمل معنى الفطرة أو القانون الكوني الشامل، يقرأ السيد رافع رسالات الأنبياء والرسل جميعا ومنهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والسيد المسيح، على أنها قدمت للبشرية مجددا قوانين الحياة التي تدعو الإنسان إلى ينقبوا داخل أنفسهم حتى يكتشفوا الومضة المقدسة في أصل خلقتهم. فمن ذلك العمق داخلهم يمكنهم أن يقرأوا عن صُنع القانون الإلهي (الفطرة)، كما جاء في كل كلمة حق، ويدرك وجود الحق الواحد القدوس وراء هذه الكلمات جميعا:
"إن الذين يؤمنون بالفطرة قياما، وبرسـالتها دواما، يؤمنون بأنها الحق وراء كل رسـول، وأن رسـالتها لرسـالات الرسـل جماع." [٢٥]
يتأمل السيد رافع في التطور الروحي للإنسان كعملية تابعة للقانون الإلهي، ويعلِّم أن البشر مخلوقين بطبيعة مقدسة كامنة، تدفعهم إلى البحث عن معنى أعلى للحياة يتناغم مع هذه الصبغة المقدسة في أعماقهم وأصلهم منذ ميلادهم. فهم حين ينتبهون إلى طبيعتهم الأصلية (الفطرة) فإنهم يسلكون في الحياة طريقا من شأنه أن يأخذ بهم إلى تحقيق إنسانيتهم، أي يكونوا فعلا في معنى "الإنسان". فكل بشر على الأرض، وفقا للسيد رافع، له رحلته على الأرض، يُمنح فيها فرصة لأن يكون إنسانا، حين يتبع الهدي القابع في طبيعته المقدسة في أعماقه:
"ليس كل من دب على الأرض في معنى الإنسان وان قام بجهاز في وصفه." [٢٦]
"قدسية الإنسان في إرادته وليست في ذاته."[٢٧]
تواصل الإنسان بفطرته وتحقيق التناغم معها في نواحي حياته المتعددة، يجعله في وصلة مع الله كما يتجلى داخله، وكما يتجلى في كل ما حوله ومن حوله، وبهذا يصبح "عبدا لله":
"شتان بين عبادة الإنسان لصنعه وعبادة الإنسان لصانعه."[٢٨]
"إن الإنسان، يوم يصير عبدا لله، ويتحرر من عبوديته لنفسه، يتسع لما لم تتسع له السماوات والأرض، إنه يسبح طليقا في السماوات والأرض وما فوقها وما دونها معلما ودليلا." [٢٩]
لقد آمن السيد رافع بأن الإسلام بوصفه الرسالة التي بُعث بها سيدنا محمد، وجميع الرسل والأنبياء، لم يجيء ليفرض شيئا على الناس، غريبا عما هو داخلهم وفي طبيعة خلقتهم بالفعل، دون تمايز بين جنس أو لون. لقد جاء الإسلام ليرفع الغطاء عما نسوه من فطرتهم. وفي هذا المعنى يتأمل السيد رافع في تقديم الرسول للإسلام بأنه "دين الفطرة" باعتباره يخص البشرية جمعاء:
"نريد أن نقول، لا على صورة التمييز، ولكن على صورة إبراز صدق الرسول فيما قال من أن الإسلام دين الفطرة أظهر الناموس الكثيرين من الرجال، آيات لله، وكلمات لله في هذه الأمة المنسوبة لمحمد(صلعم)، وفي هذه الأمة الواسعة بوصف إن الأرض مزوية له، وإنه معلمٌ للبشرية في عمومها، فأبرز الله الكثير من الآيات، في الشعوب الغربية.. في الشعوب الإنجليزية.. وفي الشعوب الفرنسية، وفي الشعوب الإيطالية.."[٣٠]
ويذكِّر السيد رافع بأن أي فهم أو تعليم لا يتناغم مع معنى "الفطرة" بكل أبعادها ومستوياتها، فإنه يأخذ الناس بعيدا عن رسالة الأديان جميعا:
" ما حذر منه الدين، وما بشر به إنما هو كشف لما هو قائم في قانون الطبيعة."
"الكشف عن قوانين الطبيعة تبليغ جديد ممن هو وراء الطبيعة بحكمته وقدرته."
"لا يختلف أو يتعارض مأمور للدين مع قانون للطبيعة."
"إذا بدا في الدين ما يختلف وقانون طبيعي. كان الخطأ في الفهم والتحريف من المتلقي، والرجوع بما يجب فهمه للقانون الطبيعي هو الاستقامة." [٣١]
ويلقي السيد رافع بعض الضوء على العلاقة المتشابكة بين رسالة معينة، والرسول الذي يحملها، وبين المتابعين لها، فيبين أن تلك العلاقة هي نفسها جزء من الفطرة بمعناها القانون الشامل الذي يحكم الوجود. فهذه الأبعاد الثلاث: الرسالة- الرسول- المتابعين مترابطة بطبيعتها؛ فغياب أي منها يؤدي لغياب الإثنين الآخرين. وهكذا يتأمل قائلا:
"هل الدين رسالة أم رسول؟ ليس هناك رسالة بدون رسول.. وليس هناك رسول بدون رسالة.. وغيبة الرسول عن الرسالة تعطيل للرسالة.. وغيبة الرسالة عن العامل لها تعطيل للرسول. فالرسول والرسالة قيام متلازم متساند {كتاب الله وعترة رسوله}، وبدون رسالة ورسولها وعاملها لا دين، وبلا دين تختل الفطرة وتقاوم قوانينها. والفطرة هي الصلاح ومتابعة قوانينها وأعمالها هو الإصلاح." [٣٢]
الإسلام طريق التسليم لله
كلمة "الإسلام" في مفهوم وتجربة حياة السيد رافع ليست اسما لدين بعينه، بقدر ما هي إشارة إلى طريق التسليم لله، كما أرشد إليه أنبياء ورسل الله، والحكماء في كل وقت وحين، وفي كل مكان على الأرض. والتسليم لله يتم من خلال القلب، فالقلب هو المركز الذي يتوجه له السالك في الطريق الروحي. إنها رحلة دائمة من الشهادة إلى الغيب، ومن الغيب إلى الشهادة:
"إنك في هذا الدور، وفى هذا الطور من الحياة، تعلم ظاهرا من الحياة ولا تعلم باطنا من الحياة، ولكنك مؤهل بظاهر الحياة، إذا ما عكسـت البصر إلى معناك، أن تعلم باطنا من الحياة منك في عين معناك، وبذلك تعلم ظاهرا من الحياة وباطنا من الحياة، وبذلك تعلم عن شـهادة الحياة وعن غيب الحياة، وتتصف وتتخلق بما اتصف به عندك منشـودك ومعبـودك من الله عالم الغيب والشـهادة. فلا غيب إلا من شـهادة الشـهادة، ولا شـهادة إلا من غيب الغيب.
إنك لن تحيط علـما به إلا بمـا تحيط من العلم به عن نفسـك، بوعيك، وحسـك، وإدراكك، ووجودك، وتقديرك، وطهرك. إنه في قلبك ما اهتز قلبك حبا له أو خشـية منه، وما استقام قيامك طاعة له، واستجابة لأمره، وانتهاء عن نهيه.
إنه حولك، وفوقك، وفيك، بوجهك في ظاهر الحياة، وفى باطن الحياة، إنه في تكوينك، إنه في أسـرتك، إنه في أمتك، إنه في إنسـانيتك، إنه في الطبيعة تتسـلط عليك، وتتحكم فيك، وتقيد وتوجه حركاتك وسـكناتك.
إنه فيك ما تخلصت من ضيق طبيعتك، ومن قيود الطبيعة تسـيطر عليك، فتخرج من طبيعة إلى طبيعة، ومنها إلى أخرى، في انطلاق بسـلطانه، يفاض عليك في سـلطان اجتهادك فتتسـلط على قيود حسـك، وعوائق تكاملك.
وأن الإسـلام لله تسـليما لقدرته، أو الإسـلام لله مع رسـول من رسـله، أو الإسـلام لله مع سـليم فطرتك، كل هذا إنما هو إسـلام، فالإسـلام لله مع رسـول من رسـله فـي القيـام، والإسـلام لله مع رسـول من رسـله في التعاليم والدين، والإسـلام لله مع الفطرة، والتأمل والحياة، كل ذلك صور للإسـلام. ولكن الذي يعنينا وتقصده البشـرية بالإسـلام، إنما هو الإسـلام لله مع عبـاده، مع عباد لله، وكلمات لله يقيمها بين الناس، ويجعل منها أحواضا للناس، يرتشـفون منها ماء الحياة، ويجعل منهم مصابيح للخلق يسـتضيئون بها في ظلمات الحياة الأرضية، ويجعل منهم دفئا لنا، وجذوة متقدة من الحياة نقتبس منها، ونعنون بها، إذ يقيمهم الله في الناس بيوتا له يأذن لها أن تُرفع، وأن تُقام في الناس وبين الناس."[٣٣]
ويوضح السيد رافع أنه يصح للباحثين عن طريق الله أن يوجهوا أنفسهم لهؤلاء العباد، ليسلكوا الطريق من خلالهم، وأن سيرهم في هذا الطريق يجعلهم يخوضون تجربة الإحساس بأنهم جزء من كلٍ كبير وجامع. وهذا هو جوهر التسليم لله (الإسلام). وبتعبير آخر، فإننا نُسلِّم لرسالة الله بتسليمنا لرسوله أو رسله، وذلك حين يُسلِّم الإنسان وجوده كله لمركز المقدس في قلبه:
"إذا صفا القلب ليكون قبلة، واستقامت الجوارح متجهة إليه بالصلاة، وعاد العقل المتحرر ليستوي على عرشه من الهيكل، بُعث الإنسان بالحق وانتهت جاهليته، وتخلص من توقيته، وضمن لنفسه وعقله وذاته البقاء والدوام وهذا هو الإسلام." [٣٤]
إن هذه الرحلة الداخلية، من منظور السيد رافع، كامنة في الإنسان، وجزء من "الفطرة":
"إن الفطرة والعقل أسـاس كل معرفة وكل وعي. وإن العاقل المفكر في دائرة الفطرة، وإن السـاعي المدبر في دائرة الفطرة، إنما يغير شـيئا مما في نفسـه، وإن اللـه مغير ما به يوما (لا يغير اللـه ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسـهم). (والذين جاهدوا فينا لنهديهم سـبلنـا)" [٣٥]
في نفس الاتجاه يؤكد السيد رافع على قوة "نية" الإنسان ومثابرته وصدقه، فيقول:
"إن اسـتقامة الإنسـان على مدرك عقله، ومتابعته لحديث ضميره، إنه واصل به إلى الخير يوما. (اسـتفت قلبك وإن أفتوك وإن أفتوك وإن أفتوك)."[٣٦]
إن معنى من معاني التسليم لله في تجربة السيد رافع هو حال يكون فيه تناغم جوهري بين إرادة الإنسان لنفسه وبين ما يريده الله له، ذلك لأن العابد يتذوق حضور الله في وعيه، في كل لحظة من حياته على الأرض أو فيما بعدها:
"إذا لم تر الله حيث أنت فلن تراه في حيث تصير." [٣٧]
"من لم ير الله في دنياه من الوجود فلن يرى الله في أخراه من التواجد." [٣٨]
وحين يكون حضور الله جليا في حياة الإنسان سيكون صادقا مع نفسه، ولا يكون تركيزه المطلق على الكسب أو الخسارة الظاهرية:
"الصادق يشغله صدقه، ولا يعنيه هزيمته ونصره، فقد يكون نصره في هزيمته وقد تكون هزيمته في نصره." [٣٩]
"المسلم يتحرر بإيمانه من قبضة الأرض إلى قبضة الله، فيفنى بموصوف الخلق، ويُبعث في موصوف الحق، وجها لله، وكلمة لله، واسما لله."[٤٠]
رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تكشف عن وحدة التنزيل الإلهي
لم يكن الإحساس القوي بالانتماء لرسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لدى السيد رافع، وشغفه الوجودي بها يرجع فقط لكون الرسول جده، أو لمجرد أنه وُلد مسلما، وإنما لأنه قرأ في رسالة سيدنا محمد تأكيدا واضحا على وحدة التنزيل الإلهي، ووحدة الإنسانية. فلم يكن السيد رافع يفصل أي كلمة حق يقرأها عن معاني الإسلام الذي ينتمي له. وكان الدين بالنسبة له، سواء سماوي أو طبيعي، هو طريق سرمدي يعبر عن نفسه منذ بداية الخليقة داخل البشر أثناء بحثهم عن معنى وجودهم ومعنى حياتهم وما خلقوا من أجله، وهذا هو جوهر توحيد الخالق، وتعدد تعبيرات البشر عنه.
وعلى هذا الأساس كان السيد رافع يرفض تماما أي إحساس بالأفضلية يمارسه متابعو أي ديانة على غيرهم باسم الدين. لقد كان يوقن بحدسه أن ذلك الإحساس بالأفضلية لا يتفق مع جوهر أي دين، ولا مع طبيعة الإنسان التي فُطر عليها. فقد قرأ في جوهر كل الأديان دعوة للبشر جميعا ودون تمايز إلى أن يعرفوا عن أنفسهم أكثر، ويدركوا معنى حياتهم، وكان يؤكد بهذا أن الدين، في جانب من جوانبه وجوهره، علم الإنسان عن نفسه، وعن معنى الحياة، ومعنى الموت:
"أرقى علوم الإنسان علم الإنسان عن نفسه وأفضل مكاسب الإنسان كسب الإنسان لنفسه" [٤١]
"تعلّم كيف تحيا لتتعلم كيف تموت وتعلّم كيف تموت لتتعلم كيف تحيا." [٤٢]
كانت قراءة السيد رافع لرسالة الإسلام كما جاء به سيدنا محمد تشير وتؤكد على وحدة الرسالات ووحدة الإنسانية:
"إذا نُفض الغبار عن ملة الأنبياء وحكمة الحكماء لَوَجد الناس أنهم في ملة واحدة وحقيقة واحدة ودين متصل الحلقات، جمعه الحق ولا يجمع هو الحق." [٤٣]
وفي تناوله لمعنى "التوحيد"، أي الإيمان بالله الواحد، كان السيد رافع يذاكر دائما بأن المعلمين الروحيين للبشرية قد تلقوا وحيا على فترات متتابعة من شأنه أن يدعم البشر في بحثهم عن حياة تمنحهم الإحساس بالتحقق الإنساني، والذي يطمحون إليه من داخلهم، وقد عبرت الحقيقة عن نفسها من خلال الوحي الإلهي المتتابع في تعبيرات وصور متجددة، أي أن الحقيقة واحدة ولكن الأوعية التي تحملها متنوعة ومتعددة. لذلك فقد كان ظهور كل دين جديد إنما كان إحياء للحقيقة القديمة الكامنة فيما سبقه من أديان، والساكنة أيضا فيما يرنو إليه البشر في أعماقهم. والحقيقة في رؤية السيد رافع لن تتوقف أبدا عن الكشف عن نفسها في صور جديدة دائما طالما لا يتوقف الناس عن إخفائها بوضع الغبار على جوهرها:
"لا جديد في الدين ولا جديد تحت الشمس إنما الجديد هو نفض الغبار عن الحق القديم." [٤٤]
كان السيد رافع يتأمل كثيرا بشأن وحدة الخلق ووحدة الإنسانية، والتي هي وراء تنوع الأسماء والأشكال مؤكدا أن الإحساس بتلك الوحدة يكون له أثر كبير في رؤية البشر لأنفسهم، وللعالم، ولإخوانهم في الإنسانية، وللمصادر المقدسة. فإدراك الناس لوحدتهم إنما هو ثمرة طبيعية قابلة للإثمار إذا ما استيقظوا لأصلهم الروحي:
"إن رؤية الله في الإنسان تقتضي عدم التمييز بين الناس من حيث هذه الحقيقة، وإن تفاوتت درجاتهم، والتميز بينهم في ذلك هو الشرك." [45]
وفي رؤيته بأن رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تؤكد بوضوح على وحدة الرسالات، السماوية منها والطبيعية، وأن الرسول أرشد متابعيه إلى أن يتفكروا في التعاليم المقدسة من منظور تلك الوحدة، يذكّر السيد رافع بإرشاد الرسول صلى الله عليه وسلم لمتابعيه بألا يتعصبوا لدينهم، وألا يفاضلوا بينه وبين الأنبياء:
"لقد حذرنا الرسـول كثيرا من ذلك. لقد نهانا عن التعصب له، وعن مخاصمة الأنبياء وأُممهم."[٤٦]
وفي نفس الاتجاه يذكر السيد رافع دوما بوحدة الرسالات ووحدة الإنسانية قائلا:
"فما جاء به كونفوشيوس وبوذا وحكماء الشـرق من الصين والهند إلا وجه من وجوه الحق. وما جاء سـقراط وأفلاطون وحكماء الغرب إلا بوجه من وجوه الحـق. وما جاء آدم ونوح وإبراهيم وأبنـاؤه من الكتب والكلمات إلا وجوها من وجوه للحق. وما كان عيسـى إلا وجها من لانهائي وجوه للحق. وما قام محمد إلا أمرا جامعا لأمور للحق…….. فعلم الإنسـانية عن نفسـها هو علمها عن الحقيقة." [٤٧]
وتلخص العبارة التالية للسيد رافع أيضا وحدة الرسالات ووحدة الإنسانية:
"الأنبياء نبوة واحدة ونبي واحد لحق واحد، ولعالم واحد، ولخلق واحد في وجود واحد لموجود واحد."[٤٨]
الانضمام لحركة الاتصال الروحي الحديث
حين قرأ السيد رافع عن ظاهرة الاتصال الروحي التي بدأت في القرن التاسع عشر والقرن العشرين في الغرب رآها مرحلة من مراحل متعددة لتجربة قديمة في البشرية تواجدت منذ زمن بعيد:
"البشـرية متصلة من قديم بالروح، وهي بالروح تحيا وتقوم، فإذا تأملنا كأناس يفكرون، ويربـطون حاضـرهم بماضيهم، ويربطون ظـواهر هذا الاتصـال، في بيئاته من البشـرية، في جميع العصور، نجد أن هذا الاتصال قام في قديم الجنـس، في عهود لم يصل إدراكنا، وتسجيلنا في نظامنا التاريخي إليها. وكل ما يمكننا أن ندركه، هو ما سجلته تواريخ الأمم في الشرق والغرب والمنطقة الوسـطى من الأرض، فهذا الاتصال عامّ في الجنس."[49]
إن الوصلة والاتصال الدائم بين الروح والبشر، وفقا لإيمان السيد رافع، إنما هو جزء لا يتجزأ من الفطرة، أو من طبيعة الخلقة حين نفخ الله سبحانه وتعالى من روحه في الإنسان، وجعل في طبيعته الاشتياق لأصله. فالاتصال الروحي بهذا المعنى يحدث بصور متعددة، وبدرجات مختلفة مما تعارف البشر عليه بالفعل، ومن قبل هذه الظاهرة؛ إنه وراء الالهام الذي يخبره الكثيرون، المعرفة التي تأتي عن طريق الحدس، الرؤى الصادقة، والإبداع بصوره المختلفة، وكذلك الشعور بالقرب من الله الموجود بين البشر. ويعتبر السيد رافع أن الاتصال الروحي في أرقى أنواعه كان ذلك الذي حدث فيما أوحى به الله من رسالات الرسل والأنبياء:
"وفي ذلك الوقت لم أكن في حالة تعارف مع السيد إيجل ولا مع السيد سيلفربرش، ولكني كنت أقرأ ما نقل إلى العربية عن الروحية وعن الإتصال الروحي. وكنت لا أعارض مثل هذا الإتصال أو اتهمه كما يتهمه من يجهله بأنه أمر خارج عن الإسلام أو عن دين الإسلام أو تعاليمه بل بالعكس، كنت أرى أن هذا الإتصال، ما تواجد عبثاً، وأنه ما تواجد إلا لنصرة ما في دين الإسلام من الحق، وأن ما هو من الحق في دين الإسلام ما كان إلا هو مسلك الطريق والمتصوفة.....، وكنت أرى أن هذا الإتصال لا بد أن يكون له حكمة، واستنتجت أن تكون هذه الحكمة تأييد الإسلام وتأييد المتصوفة من المسلمين."[٥٠]
"لم يكن شيء مما تأتي به الروحية في هذا العصر في غير متناول التصوف الإسلامي أو التصوف في بيئات الرسل والحكماء من معلمي الشرق على قدر فيه."[٥١]
لقد كان أول لقاء مباشر بين السيد رافع وبين اتصال روحي مع الروح المرشد سلفربرش من خلال وسيط، هو حين تلقى دعوة لحضور جلسة روحية، تعقد في جمعية روحية مصرية. ومن المعروف أن سيلفر برش يوصف بين المهتمين بالاتصال الروحي على مستوى العالم، بأنه من أكثر الأرواح المرشدة تأثيرا والهاما في الحركة الروحية الحديثة، والذي كان يتواصل بالأرض من خلال الوسيط الروحي لدائرة هانن سوافر الواقعة بأحد أحياء لندن، ويدعى موريس باربانل. [٥٢]
لقد كان السيد رافع يؤكد دوما في أحاديثه على الجوهر المشترك بين الاتصال الروحي الحديث وبين الرسالات السماوية:
"(إن الروحية) لا تأتي إلينا ببلاغ جديد، ولا بمناسك جديدة، ولا بنظام للمعلومات جديد، ولكنها تأتي إلينا بما غفلنا عنه من الحق الصراح، الحق الخالص الذي جاء به سائر الأنبياء، والذي يتلاقى عليه ويتلاقى فيه النبيون جميعاً وهو التعريف عن الله وعن الفهم فيه والفهم عنه والفهم به والفهم منه. وهذا أمر جوهري، وأمر واسع عريض قام وراء جميع الرسالات الدينية في الشرق الأوسط وفي حكمة الشرق والغرب." الجزء الأول من ألواح بين قبر ومنبر، الحديث الأول "الاتصال الروحي في عصرنا الحاضر." [٥٣]
استمر السيد رافع لعدة شهور في حضور هذه الجلسات الروحية، يراقب ما يحدث فيها ويتفكر في كل ما يقال من تعاليم. وكلما مر الوقت به كان يزيد يقينه بأن التعاليم القادمة من الروح المرشد سلفربرش مقبولة للفطرة السليمة، وللعقل السليم، وللقلوب الرحيمة، وكذلك للمبادئ الأخلاقية الموجودة في كل الديانات السماوية والطبيعية. وفي هذا السياق تعلق الابنة علياء رضاه على تلك المرحلة من حياة السيد رافع فتقول:
"ندرك هنا أن ارتباط الرسالة الإسلامية بالرسالة الروحية أصبح أمرًا واضحًا عند أبي؛ حيث إن أحاديث السيد الروح المرشد سيلفربرش التي كان يقدمها للغرب في هذا الوقت، رآها والدي تؤكد رسالة الإسلام ورسوله كما شعر بها واستوعبها، وتؤكد عالمية هذه الرسالة في قدرتها على التعبير عن نفسها في بيئات مختلفة وثقافات متنوعة، لا تخرج بالضرورة من بين المسلمين. والرسالة الإسلامية رسالة روحية بمعنى أنها رسالة موجودة لا تنقطع بما تحمله من طاقة، وأصبحت الأرض تحمل نور الرسول ورحمته وعلمه، الذي يتواصل مع كل طالب للمعرفة وللعلم؛ فهذه الأرواح المرشدة تُعَبِّر عن هذا العلم. وانتشار هذا العلم في قلوب الطالبين خلق رعيلًا من المعلمين الروحيين المنتشرين في الأرض، قد لا يعرف بعضهم بعضًا على المستوى الشخصي، ولكنهم ينقلون هذا الوعي الذي يساعد الإنسان أن يعرف نفسه، ويعرف ربه، ويسير على بصيرة، واضحًا له مصيره وهدفه."[٥٤]
تأسيس الجمعية الإسلامية الروحية
بعد شهور من انتظام السيد رافع في حضور الجلسات الروحية، أعلن السيد سلفربرش لأعضاء الدائرة اختياره للسيد رافع رائدا للجمعية الروحية، وطلب من الحاضرين بأن يتقدموا ليأخذوا "القبضة" من السيد رافع. و"القبضة" كما هو معروف في أوساط المتصوفة المسلمين هي ذلك العهد الذي يتم بين المريد والشيخ وهما يمسكان بكفي بعضهما البعض، حيث يردد الشيخ كلمات تعبر عن الارتباط الروحي بينهما، وهو الرمز الذي تتم بموجبه المؤاخاة في الله بين المريد والمعلم. وحين سأل بعض الأعضاء عما إذا كان هذا الطقس، أي "القبضة" ضرورة، رد الروح المرشد مؤكدا بالإيجاب.[55]وطلب من أعضاء الدائرة الانتظام في حضور صلاة الجمعة التي يؤمها السيد رافع، وكذلك الذكر الصوفي، بمعنى أن يضيفوا نظام النُسُك الصوفي إلى التأمل الذي اعتادوا ممارسته.
كان إقرار الروح المرشد بالرباط بين تعاليم الروحية الحديثة وبين جوهر تعاليم الإسلام كما يقدمها التصوف، ملهما للسيد رافع بأن يقدم هذا الارتباط تحت مظلة واحدة. الآن وبالاتفاق مع الروح المرشد سلفربرش، تكونت دائرة جديدة، باسم "الجمعية الإسلامية الروحية"، احتفظ فيها السيد رافع بمناسك الإسلام والطقوس الصوفية الإسلامية، وأضاف إليها جلسات التأمل الروحي بحضور الروح المرشد. وكان ذلك في بدايات الخمسينات من القرن العشرين.
وبمناسبة افتتاح "الجمعية الإسلامية الروحية" أعلن السيد رافع للحضور معنى التآخي أو المصاحبة في الله بالنسبة له، فقال إنها ليس علاقة تدرج هرمي بين أدنى وأعلى، إنما هي تجربة تحولية بين رفيقين أو أخوين في الله، تتلاشى فيها الذات المادية تماما، فتمهد للطرفين قيام وعي أعلى واحد يضمهما، ويغذي كل واحد منهما روحيا. لقد رأي السيد رافع أن العلاقة التي تقوم بين شخصين أو مجموعة من الأشخاص الذين يرتبط كل واحد منهما بأعمق أعماق وجوده، تكمن فيها سر الوصلة بحياة أعلى، فوق الزمان والمكان. فرباط المحبة والصحبة يتيح للقوة العليا، قوة الحياة، والطاقة النقية، أن تتجلى في البشر:
"الكلام الحي يربط بين المتكلم والسامع لجمع ما فيهما من حياة في حياة أكبر ليست هي حياة المتكلم ولا حياة السامع ولكن حياة المحيط بالسامع والمتكلم." [٥٦]
وقد وجه السيد رافع في الجلسة الافتتاحية للجمعية الإسلامية الروحية كلمة للأسرة الروحية جاء فيها:
"فلست بينكم إلا أحدكم، عنوانا لجمعكم، ومثالا لفطرتكم على الإسلام، وترجمانا لدعوتكم على القيام، فلا شيخوخة بيننا، جمعنا شيخنا، والله ولينا، وروحه صلى الله عليه وسلم مرشدنا وهادينا، والمرشدون إليه من عباده تعالى أئمتنا وإخواننا." [57]
وتحت مظلة الجمعية الإسلامية الروحية واصل السيد رافع إرشاده وتأملاته في مبادئ الإسلام وجوهر تعاليمه، ويشير إلى انسجامها مع تعاليم السيد سلفربرش. ويشير إلى أن واحدا من المبادئ الأساسية المشتركة هو الإيمان بأن "الإنسان" يتمتع بمكانة خاصة في الكون، وكيف أن استيقاظ البشر لتلك المكانة من شأنه أن يكون له أثر إيجابي عليهم وعلى الحياة ككل. ويمكننا أن نلاحظ في الفقرة التالية كيف يستخدم السيد رافع مفردات القرآن الكريم في معنى قيمة الإنسان والتي يأتي ذكرها في الاتصال الروحي:
"فرسالة الاتصال الروحي، التي تأخذ مكانها، في مشارق الأرض ومغاربها، لتكشف لإنسانية الأرض، شرف الإنسان في قديمه، من أحسن تقويم، وشرف الإنسان في قابله أحسن تقويم، وشرف الإنسان في حاضره، ملكوتا لله في نفسه، وبيتا لله في هيكله، إنما تعمل، لإعداد الجهاز الفيزيقي، وهو الجسد، عن طريق التطور به، وتغذية النفس المقيمة فيه، بالنور والقابلية الوهبية الواعية، لتقبل مستويات نفسية أكبر، تهيئ الفرصة، لهذه النفس المقيمة للتطور والارتقاء، بالنمو والاتساع والانطلاق، بتنقيتها في جوهرها، من مرذول الصفات." [٥٨]
وتحت إرشاد السيد رافع والروح المرشد سلفربرش جعلت الجمعية الإسلامية الروحية من "الخدمة" هدفها الرئيسي، ومحور جميع نشاطاتها. ومن هذه النشاطات:
١- التدريب الروحي من خلال جلسات تعقد يوم الإثنين والأربعاء والخميس، ويمكن انضمام المبتدئين في بعضها لأنها تقوم على التأمل التعبدي، والتذكر القلبي، وإسكات القلق النفسي، لفترة من الوقت.
٢-الخدمة العلاجية من خلال جلسات بدار الجمعية لمعالجة الأمراض النفسية والعصبية، والحالات المستعصية على الطب البشري، مساء الأحد للرجال، ومساء الثلاثاء للسيدات من كل أسبوع.
٣- الذكر الصوفي وإقامة مناسك صلاة الجمعة. [٥٩]
هنا يجدر ذكر بعض من تعاليم الروح المرشد سلفربرش عن أهمية "الخدمة" في حياة الإنسان الروحية، فمن تعاليمه:
"إن الروح تنمو من خلال اللطف والإحسان والتسامح والتعاطف والحب والخدمة والأعمال الصالحة. إن الأخلاق ترتقي فقط حين تتيح للروح المقدس أن يتجلى في حياتك اليومية. وحين تأوي أفكارا غير طيبة مثل أفكار الكره والقسوة والانتقام والأنانية، فستكون أنت ضحيتها، وأنت الذي ستدفع الثمن حين تكون أخلاقك مشوهة ومشتتة وخاسرة."[٦٠]
وهكذا كان السيد رافع يقدم الرسالة الروحية للعامة في عدد من المحافل:
" فالاتصال الروحي يا إخواني ما هو إلا عقيدة سليمة في الله تؤيدها جميع الأديان، ووسيلة تنقي جميع الأديان من الخبث ويظهر بها ما في الأديان من جوهر سليم، حبيب إلى النفس المؤمنة والعقل المعتقد. إنها طريق مستقيم، إنها تفك أسر الروح من سجن المادة لتنطلق في ملكوت الله العظيم اللامتناهي، إنها يد الله الممتدة لإطلاق هذه العقول وهذه النفوس وهذه الأرواح من سجون أشباحها، ولكشف الغطاء عنها لتدرك ما غمض من قضاياها في حاضرها ومستقبلها فتفتح لها بذلك أسباب السعادة وطريق كسبها." [٦١]
ومن الأهداف المشتركة التي التقى فيها السيد رافع مع تعاليم الروح المرشد سلفربرش. كان أهمية نشر السلام في الإنسان وفي العالم.
"إنه نفس الدم الذي يسري في عروقنا، ونفس الروح التي داخل طبيعتنا، فلقد خلقنا الروح الأعظم أسرة واحدة. إن الأبناء يركزون على الاختلافات ولا يرون الوحدة التي تجمعهم من وراء هذه الاختلافات، ويجب أن نذكرهم بأن التقدم الحقيقي لن يتحقق إلا حين تأخذ الحقائق الروحية مكانها في كل نظم العالم، فكل الأجناس والألوان هم جزء من الروح الأعظم في الحياة كلها، وهو الذي يوجد الانسجام في نسيج متكامل يجمع كل الألوان. انظروا إلى صنع الطبيعة لتدركوا أنه مهما كان تعدد وتباين ألوان الورود في حديقة واسعة، فمن المحال أن تجد تنافرا ولا نشازا بين ألوانها في أي مكان من الحديقة. وحين تختلط وتتآلف الألوان بين البشر، فستنشؤون كسلالة كاملة."[٦٢]
وتحت إشراف السيد رافع والسيد سلفربرش كان يتجمع أفراد الدائرة الروحية للدعاء من أجل تحقيق السلام بشكل عام، ولتوجيه طاقة سلام خاصة لبعض المناطق التي كانت تشهد حروبا في ذلك الوقت، فقد كان كل من السيد رافع والسيد سلفربرش يؤمن بأنه إذا ما استيقظ البشر لأصلهم الروحي الواحد، لصاروا أكثر حرصا على ألا يحارب بعضهم البعض. وهنا أيضا نجد توافقا بين دعوة الروح المرشد سلفربرش للبشر بأن يخبروا أصلهم الواحد والذي يضم تنوعاتهم جميعا في اللون والجنس، وبين تعاليم الإسلام الواضحة عن "النفس الواحدة."[٦٣]
على صعيد آخر كان السيد رافع حريصا على تحذير الناس المهتمين بحركة الاتصال الروحي، من الانجراف وراء هذا الاتصال كهدف في حد ذاته؛ بمعنى أن يكون لديهم الشغف والاستمتاع به لمجرد أنه ظاهرة فوق الطبيعة، فذلك التوجه—كما ينبه السيد رافع—ينحرف بهم بعيدا عن المهمة النبيلة التي حدث هذا الاتصال من أجلها:
"إن الذين يجعلون من رغبتهم في الظواهر المادية، سواء لأنفسهم، أو لمنظورهم، أساسا لاتصالاتهم الروحية، إنما يخادعون أنفسهم، إذ أنه كثيرا ما تنحرف بهم هذه الرغبة، الى نهاية عكسية، من الرقي بالاتصال، فبدلا من أن يتأيد عندهم صدق البلاغ، لتستقيم العقائد، فالمسلك، ثمرة لقيام هذه الظواهر أو الانفعال بها، مما يدعو الى صفاء النفس، بمضاعفة التسليم لله ورسوله، ويحفز الى مزيد من الاستقامة، ومضاعف من الجهد والإيثار، ويفتح أبوابا جديدة للتحليق في سماء المعرفة، بدلا من ذلك كله، يقذف بهم الإعجاب بالظواهر المحققة لهم، أو لمنظورهم، من حالق الى مجال أنفسهم، رضاء عنها، وإعجابا بها، وحرصا عليها، بعد تخلص منها بالوجهة الروحية، فيضاعف ذلك من هواها، ويرضيها عن معناها، ويفتح لها باب العودة الى مبناها. .......... والجماعة في حذر وتحذير من أمر النفس ومزالقها، وهي ما وجدت إلا للتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، حتى يفتح الله، أو يقضي في النفس من أمر الله بأمر الله." [٦٤]
الخلاصة
السيد رافع محمد رافع هو واحد من المعلمين الروحيين للبشرية، أو عبد من عباد الله الصالحين. كان لديه بطبيعته إحساس بالمحبة والشوق للخدمة، على مدى حياته كلها، تجلى في صور متعددة. فأثناء شبابه المبكر، سلك طريق النشاط السياسي، وشارك في الحركة القومية حينذاك، وعمل بكل طاقته للدفاع عن الحرية لبلاده وللناس جميعا، كما اشترك كمحام حر في حركة المطالبة بحقوق العمال مثل المعاشات والتأمين الصحي التي لم تكن موجودة في هذا الوقت. وحين اكتشف أن العمل بالسياسة يُغَلِّب فيه الكثيرون المصالح الشخصية على صالح البلاد، انسحب من هذا النشاط باحثا عن معنى وهدف لحياته، أي عن طريق جديد للخدمة.
وكان السيد رافع منذ صغره يشعر برباط روحي مع جده سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولديه إيمان فطري برسالته، ولم يكن يتقبل بعقله أو بقلبه أن يكون الدين مجرد أشكال وصور بلا حياة، أو أن يكون إتباع أي تعاليم دينية مدعاة للإحساس بالأفضلية من بعض البشر على غيرهم، أو بصراعات تزهق فيها الأرواح باسم الدين. في بحثه عن معنى لحياته، وقراءته للتراث الروحي والديني في الشرق والغرب، وجد السيد رافع تناغما مع التصوف الإسلامي، الذي يتم فيه التواصل مع القلب والفطرة السليمة كأساس للعلاقة بالله سبحانه وتعالى، والذي يشجع على مجاهدة النفس، لتكون عبودية الإنسان لله هي نفسها أساس الخدمة الخالصة، ومحبة الإنسان لإخوانه في البشرية. فالطريق الصوفي، كما سلكه السيد رافع، يجعل من النقاء والصفاء القلبي للفرد، نواة لإصلاح المجتمع ككل بل حياة البشر جميعا في أي مكان.
وبنفس الانفتاح القلبي والعقلي، رحب السيد رافع بحركة الاتصال الروحي الحديثة، حين وجدها تلمس أساس وجوهر الأديان جميعا وهي دعوة الإنسان إلى إيقاظ الوعي بما داخله من ومضة مقدسة، والتأكيد على وحدة الإنسانية، والعمل على نشر السلام، داخل الإنسان وبين الشعوب. فكلها معان عاشها السيد رافع فطريا، كما قرأها في رسالة الإسلام كما بعث به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وجميع الرسل والأنبياء والحكماء والمعلمين الروحيين شرقا وغربا، قديما وحديثا. ومن هذا المنطلق أنشأ السيد رافع الجمعية الإسلامية الروحية التي قام تحت مظلتها بالعمل على نشر الوعي الروحي بأن رسالة الإسلام، كما بُعث به سيدنا محمد وجميع الأنبياء، تدعو البشر إلى أن يفيقوا إلى ما بأرواحهم من نور، هو قبس من المصدر العلوي المقدس أو الإله الواحد، أيا ما كانت المسميات التي عرفه بها البشر، وأن الحكمة الكامنة في كل كلمة حق أو أي دين سماوي أو طبيعي، إنما هي واحدة، كما أن البشر جميعا ينتمون لإنسانية واحدة. وقد ذكّر السيد رافع دوما بأن ذلك الوعي من شأنه أن يجعل حياة البشر على الأرض أكثر معنى وهدفا وسلاما.
لقد واصل أبناء ومريدي السيد رافع طريقه ورسالته، ولا زال يلهم قلوبهم وعقولهم بالعمل على نشر رسالة المحبة والسلام.
[1] اقرأ المزيد في كتاب حكمة الإسلام في سيرة مسلم، إعداد الابنة علياء رضاه
[2] المرجع السابق ص ٦٨
[3] المرجع السابق نفس الصفحة
[4] المرجع السابق ص ٢٦٣
[5] المرجع السابق ص ٩٢، ٩٣
[6] كلمة "السيدة" تُستعمل للإشارة إلى كل من ينتهي نسبها للرسول صلى الله عليه وسلم، حتى لو كانت بِكرا وهو ما ينطبق على السيدة حزام.
[7] المرجع السابق ص ٧٨
[8] السيد رافع، السيد رافع، خطرات ونظرات، عبارة رقم ٨٧١
[9] حكمة الإسلام في سيرة مسلم، إعداد الابنة علياء رضاه، ص ٦٩
[10] حكمة الإسلام في سيرة مسلم، إعداد الابنة علياء رضاه، ص ٢٦٥
[11] حكمة الإسلام في سيرة مسلم، إعداد الابنة علياء رضاه، نفس الصفحة.
[12] السيد رافع، ألواح ما بين قبر ومنبر، الجزء الثالث، الحديث الأول. وهي مجلدات تجمع أحاديث السيد رافع في نحو خمسة وعشرين جزءا.
[13] السيد رافع، ألواح ما بين قبر ومنبر، الجزء الثاني، الحديث الثامن
[14] حكمة الإسلام في سيرة مسلم، إعداد الابنة علياء رضاه، ص٦٣
[15] حكمة الإسلام في سيرة مسلم، إعداد الابنة علياء رضاه، ص٦٢
[16] حكمة الإسلام في سيرة مسلم، إعداد الابنة علياء رضاه، ص ١٠١
[17] يمكن قراءة المزيد في سيرته الذاتية المطبوعة حكمة الإسلام في سيرة مسلم، إعداد الابنة علياء رضاه.
حكمة الإسلام في سيرة مسلم، إعداد الابنة علياء رضاه، ص ١٠١
[19] السيد رافع: ألواح ما بين قبر ومنبر: الجزء الأول: الحديث الثاني
[20] السيد رافع: ألواح ما بين قبر ومنبر: الجزء الأول: الحديث الثاني
[21] السيد رافع: ألواح ما بين قبر ومنبر: الجزء الأول: الحديث الثاني
[22] السيد رافع، ألواح ما بين قبر ومنبر، الجزء الأول، الحديث الرابع.
[23] السيد رافع، السيد رافع، خطرات ونظرات، عبارة رقم ٤٣٧
الدين ليس حديثا يُتناقل أو ألفاظا تُردد، ولكنه قيام يُدرك وأطوار تُنشد وتُقصد
[24] السيد رافع، خطرات ونظرات عبارة رقم 229
[25] السيد رافع ألواح، ما بين قبر ومنبر، الجزء الثالث
[26] السيد رافع، خطرات ونظرات، عبارة رقم ٦٤
[27]السيد رافع، خطرات ونظرات، عبارة رقم ١٧٧
[28] السيد رافع، خطرات ونظرات، عبارة رقم ٣٣
[29] ألواح ما بين قبر ومنبر، الجزء الخامس والعشرون، الحديث السادس.
[30] مقدمة كتاب حكمة الإسلام في سيرة مسلم" تقديم الابنة علياء رضاه ص١١
[31] السيد رافع، خطرات ونظرات، عبارات رقم ٢٢٨-٢٣١
[32] السيد رافع، خطرات ونظرات، عبارة رقم ٨٠٦
[33] السيد رافع، ألواح ما بين قبر ومنبر، مجموعة أحاديث للسيد رافع، من مطبوعات الجمعية الإسلامية الروحية، الجزء الأول، الحديث السادس
[34] السيد رافع، خطرات ونظرات: عبارة رقم ٥٤٣
[35] السيد رافع، ألواح ما بين قبر ومنبر، الجزء الثاني، الحديث الرابع
[36] السيد رافع، ألواح ما بين قبر ومنبر، الجزء الثاني، الحديث الرابع
[37] السيد رافع، خطرات ونظرات عبارة رقم ٧٥٥
[38] السيد رافع، خطرات ونظرات عبارة رقم ٧٥٦
[39] السيد رافع، خطرات ونظرات، عبارة رقم ٦٦٥.
[40] السيد رافع، خطرات ونظرات، عبارة رقم ٧٨٥
[41] السيد رافع، خطرات ونظرات عبارة رقم ٣٢٩
[42]السيد رافع، خطرات ونظرات عبارة رقم ٢٨٧
[43] السيد رافع، ألواح ما بين قبر ومنبر، الجزء الأول، الحديث الثالث والعشرين.
[44] السيد رافع، خطرات ونظرات، عبارة ٥٦٤
[45] السيد رافع، خطرات ونظرات، عبارة رقم ٤٨١"
[46]السيد رافع، ألواح ما بين قبر ومنبر، الجز الأول، الحديث الثالث والعشرين. وهنا يشير السيد رافع إلى الحديثين الشريفين: {إنَّ مَثَلي ومثلَ الأنبياء منْ قَبلي، كَمَثَلِ رجلٍ بنى بَيْتًا، فأحْسَنَهُ وأجْمَلَهُ، إلا مَوْضعَ لَبِنَةٍ من زاوية، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفونَ بِهِ، ويَعْجَبونَ له، ويقُولونَ: هَلَّا وُضِعَتْ هذه اللَّبِنَة؟!، قال: (فأنا اللَّبِنَة، وأنا خاتمُ النَّبيِّينَ)} (رواه الشيخان البخاري ومسلم، كما رويا عن الرسول صلى الله عليه وسلم: {لاَ تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ}.
[47] السيد رافع، ألواح ما بين قبر ومنبر، الجزء الثالث، الحديث الأول
[48] السيد رافع، خطرات ونظرات، العبارة رقم ٤٣٢
[49] ألواح ما بين قبر ومنبر، الجزء الأول، الحديث الأول، من محاضرة ألقيت بدار الشبان المسيحيين في مساء يوم الجمعة 19 من شعبان 1378 الموافق 27 من فبراير 1959، بعنوان: "الاتصال الروحي في عصرنا الحاضر"
[50] حكمة الإسلام في سيرة مسلم، إعداد الابنة علياء رضاه ص ٢١١
[51] ألواح ما بين قبر ومنبر الجزء الأول، الحديث الثاني بعنوان "واقعية الرسالة الروحية"
[52] اقرأ المزيد في الموقع التالي:
وفي كتاب "مختارات للسيد سلفربرش"
http://goldenageofgaia.com/the-2012-scenario/2012-history-4/silver-birchs-new-world-2/
Silver Birch Anthology: http://www.jhardaker.plus.com/pdf/Silver%20Birch%20Anthology.pdf
[53]السيد رافع، ألواح بين قبر ومنبر الجزء الأول، الحديث الأول "الاتصال الروحي في عصرنا الحاضر"
[54] حكمة الإسلام في سيرة مسلم، تقديم الابنة علياء رضاه، ص ٢٢١
[55] عقدت هذه الجلسة يوم الخميس، ٢ يوليو ١٩٥٣
[56] السيد رافع، خطرات ونظرات، عبارة رقم ٨١٣
[57] كتاب رسالة التوحيد والتعديد ص ٢٣٥ وكان يوافق ذلك اليوم مناسبة الإسراء والمعراج السبت ١١ أبريل ١٩٥٣ الموافق ٢٧ رجب ١٣٧٢
[58] كتاب رسالة التوحيد والتعديد، ص ١٠٥
[59] اقرأ المزيد عن نشاطات الجمعية الإسلامية الروحية في كتاب" رسالة التوحيد والتعديد ص ٢٠٥- ٢٠٨
[60] Master Silver Birch says, “The spirit grows through kindness, toleration, sympathy, love, service and doing of good works. Character evolves only when you allow the divine spirit to be made manifest in your daily lives. If you harbor unkind thoughts, thoughts of hatred, of malice, of vengeance, of selfishness, you yourself will be the victim and you yourself must pay the price in a warped, distorted and thwarted character.http://www.jhardaker.plus.com/pdf/Silver%20Birch%20Anthology.pdf: P. 9
من السهل للقارئ هنا أن يرى التوافق بين هذه التعاليم الأخلاقية التي يؤكد عليها الروح المرشد وتعاليم الإسلام التي تؤكد أن الإيمان بالله يعبر عن نفسه في حسن الخلق والعطاء والمحبة كما في بعض الآيات الشريفة، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم:
وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا (الإنسان: 8, 9 :76)
وَإِنَّ اللَّهَ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَادَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ." صحيح مسلم
[61] ألواح ما بين قبر ومنبر، الجزء الأول، الحديث الأول "الاتصال الروحي في العصر الحاضر".
[62] Silver Birch often reminds humans of their oneness:
“The same blood flows in our veins, the same spirit is in each of our natures. The Great Spirit has made us all members of one family. The children make differences and fail to see the underlying unity, and they have to be reminded that there is no true progress until these spiritual realities take their place in all worldly systems. “All races and all colors are part of the Great Spirit of all life Who provides harmony in the perfect mixture of all hues. Look at nature’s handiwork and realize that no matter how profuse or variegated are the colors of flowers in a vast garden, never is the note of disharmony or color discord struck anywhere. When the colors are blended among men, you will be emerging towards the perfect race.” http://www.jhardaker.plus.com/pdf/Silver%20Birch%20Anthology.pdf: P. 35
[63] نقرأ في القرآن الكريم:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ونساء}. (النساء 4: 1)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ(الحجرات: ١٣)
ونقرأ في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى.
[64] كتاب رسالة التوحيد والتعديد ص ١٦٧-١٦٩